تعتبر دولة الفاتيكان من أصغر دول العالم سُكاناً ومساحةً ، وهي دولة ساحرة الجمال تقع في قلب مدينة روما الايطالية، تبلغ مساحة الفاتيكان حوالي نصف كيلو متر مربع فقط، ويقارب عدد سكانها الفُ نسمة، وأغلبَهُم من الكرادِلة والرهبان والأساقفة والأشخاص العاملين فيها، وبالرغم من صغر مساحتها إلا أنها تعتبر مركز القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية ولها سلطة على ما يُقارب المليار ونصف نسمة موزّعين في أصقاع العالم، وهذا ما أدّى إلى تميّزها بأنّها مُستقلّة استقلالاً كاملاً عن أي سُلطة، لتكون قادرةً على تنفيذ مُهمَّتِها في خدمة السّلام والعدالة.
يعود تاريخ نشأة الفاتيكان الى بداية نشأة المسيحية حين تعرّض فيها المسيحيّون الأوائل إلى التّعذيب على أيدي الرّومان، لكن بعد ان قام الإمبراطور الروماني قسطنطين بحمايتهم، تمّ إنشاء كنيسة صغيرة على أرضها تخليداً لذكراهم. في القرن الخامس الميلادي اتّخذ الباباوات الفاتيكان مكاناً للعيش، وكانت أراضيها تابعة لإيطاليا، ومع مرور الوقت امتلك الباباوات العديد من تلك الأراضي، وظهرت في تلك الفترة الأفكار الأولى لإنشاء دولة بابويّة.
لكن بعد توحيد إيطاليا رفضت الحكومة تلك الأفكار مما أحدث خلافاتٍ بينهم، إلا أن تلك الخلافات انتهت بإبرام معاهدة لاتيران بين إيطاليا والفاتيكان في عام ألف وتسعمائة وتسعة وعشرين، والتي تمّ الاعتراف فيها باستقلال الفاتيكان بشكل رسميّ عن إيطاليا.
يُعتبر البابا أسقف روما المُنتَخب من قِبَل مَجمع الكَرادِلة رأس السّلطة في الفاتيكان، ويساعِدْهُ في إدارة شؤون الدولة مجموعة من الكَرادِلة الذين يتم تعيينهم كوزراء لغرض إدارة مؤسسات الدولة، وتُعدّ اللغة اللاتينيّة هي اللغة الرسمية للكرسي الرسولي في الفاتيكان، أمّا اللغة المُتداولة فهي اللغة الإيطاليّة وايضاً الالمانية.
تمتلك دولة الفاتيكان قوانين غريبة جداً تجعلُها مختلفة عن سائر الدول، ومن هذه القوانين أنها تمنح جنسيتها لرِجال الدين والعاملين على أرضِها فقط ، كما أن كافة العقارات في الفاتيكان ليست للبيع، إذ تملك الكنيسة كل العقارات وتشغَل عدداً منها لإيواء رجال الدين والحرس، كما يُمنع الطلاق في الفاتيكان كلياً ، وايضاً تُمنع النساء من الإجهاض حتى وإن شكّل ذلك خطراً على حياة الأم.
ومن الحقائق المهمة عن دولة الفاتيكان، أنه لا يوجد فيها أطفال مطلقاً، لأن أغلب النساء تَهِبُ حياتها للكنيسة، وفي حال ولادة طفل يتم تسجيلهِ تَبعاً للحكومة الإيطالية، وايضاً لا يوجد في الفاتيكان قنوات فضائية ومحطات إذاعية خاصّة ، وفي حالِ إصدار قرار مُهّم فيتم إعلانهُ عن طريق الكنيسة، كذلك لا يوجد في الفاتيكان جيش عسكري، بل يقوم بحراستها مئة وعشرة جندي فقط من الجيش السويسري، هذا إلى جانب عدد قليل من الشرطة الايطالية، والجدير بالذكر أن مصمّم لِباس الحرس الفاتيكاني هو الرسام والنحّات الإيطالي الشهير مايكل أنجلو.
وعلى بالرغم من صِغرِ مساحة دولة الفاتيكان إلا أنها تحوي العديد من المباني المَهيبة، منها قلعة سانت أنجلو و القصر الرسولي والمكتبة ، وايضاً متحف الفاتيكان الشهير الذي يضم عدد كبير من الأيقونات واللوحات والأعمال الفنية التي أُنتِجَت للكنيسة من قبل أهم الفنانين العالميين، كما يشمل المتحف على الكثير من المنحوتات والقطع الأثرية الرائعة ، هذا بالإضافة إلى متحف الصليب اليوناني والمتحف خاص بالتماثيل الضخمة، ومن المعالم المُهمة ايضاً الكنيسة السيستينية التي يتم فيها انتخاب الباباوات، وايضاً كاتدرائية القديس بطرس التي تعتبر من أكبر وأقدم الكنائس في العالم، هذا الى جانب ساحة الكنيسة وتماثيلها الرائعة، هذا فضلاً عن حدائق الفاتيكان المُزينة بالزهور والنوافير.
يعتمد اقتصاد دولة الفاتيكان فقط على الدعم الماليّ الذي تحصل عليه من التبرّعات، ومن رسوم الدخول إلى المتاحف، وبيع الكتب والطوابع البريدية والتذكارات السياحية ، إذ يزور الفاتيكان كل عام ما يَقرُب من خمسة ملايين سائح للتمتع بجمالها وعَراقَتِها ولِمَعرِفة تاريخها الفني والثقافي والحضاري، فهي الدولة الوحيدة المُدرجة على قائمة التراث العالمي، كما أن لدولة الفاتيكان مكانة مميزة ومؤثرة حول العالم لكونها من أكثر الدول المُهتمة فعلياً بالقضايا السلميّة، وذلك من خلال دَعواتِها الواضحة والمُستَمِرّة إلى المحبة والسلام ونبذ العنف والكراهية.